10/21/2014

رهاب المثلية الجنسية في روسيا ... لماذا؟




 رجل يهاجم ناشط في الدفاع عن حقوق المثليين بأحدى مسيرات الفخر سنة ٢٠١١

وافق مجلس الدوما الروسي بالاجماع على قانون يمنع الترويج للمثلية الجنسية بين القاصرين. حيث من الممكن أن يؤدي عقد مسيرات الفخر بالمثلية الجنسية أو التحدث دفاعاً عن حقوق المثليين أو حتى معاملة العلاقات المثلية بصفتها تعادل العلاقات الغيرية الى فرض غرامات قد تصل الى 31 الف دولار أمريكي.

 قبل التصويت، تعرض ناشطون في الدفاع عن قضايا المثليين والذين كانوا ينوون عقد حملة "قبلة" خارج مبنى الدوما للرشق بالبيض من قبل مسيحيين ارثوذكس وناشطين مؤيدين للكرملين*. كما كان قد تجمع محتجون مناهضون للمثليين حيث حمل أحدهم لافتة تقول "أيها المشرعون, إحموا الناس من المنحرفين".

 وبرغم إن الادعاء بأن "الترويج" للمثلية الجنسية يساعد على تحويل الاشخاص الى مثليين جنسياً قد يبدوا وكأنه شيء عفا عليه الزمن الا انه في الواقع ما زال منتشرا في روسيا الحديثة.

 في العام الماضي وعند مرور قانون حظر مماثل في المدينة صرخ أحد نواب سانت بطرسبرغ "الاطفال الذين شوهوا من قبل المعتدين على الاطفال يقفزون من النوافذ، يقتلون أنفسهم! استغلال الاطفال جنسياً يودي بحياة الطفل!" حيث يبدو انه يدمج بين المثلية الجنسية والتحرش الجنسي بالاطفال.

 كما كانت قد رُفعت دعوى قضائية ضد الفنانة مادونا لتحدثها دفاعاً عن حقوق المثليين في حفل لها اقيم في سان بطرسبرغ. وفي حادث اخر في فولغراد تعرض رجل يبلغ ٢٣ عاما للضرب المبرح من قبل اصدقاءه بعد أن اخبرهم بأنه مثلي الجنس حيث قاموا بادخال زجاجة بيرة في مؤخرته وسحقوا رأسه بالحجارة.

في الاتحاد السوفيتي السابق كانت المثلية الجنسية تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن والاشغال الشاقة؛ هذه السياسات الستالينية المناهضة للمثلية الجنسية استمرت طوال فترة الستينات والسبعينات. حيث كان مثليوا الجنس يعتبرون "غرباء" والمثلية بحد ذاته كانت تعامل بصفتها نتاج للفاشية وللاعتداء الجنسي على الاطفال. المطالبة بتدابير من قبيل حظر الترويج للمثلية تشير بشكل واضح الى أن الكثير من الروس لا زالوا يؤيدون هذه الاراء حتى بعد عقود من سقوط النظام الذي حارب المثلية الجنسية.

"عندما الغي قانون مناهضة المثلية الجنسية الستاليني في سنة ١٩٩٣ لم يصدر عفو لأولئك المسجونين بتهم اللواط" يكتب دان هيلي استاذ التاريخ وخبير المثلية الجنسية في روسيا على موقع الفيس بوك.

منذ التسعينات واجهت روسيا تدهور كبير في مجالها الاقتصادي وفقدت الكثير من الخدمات العامة في العديد من المجالات كما انتشر الفساد على نطاق واسع,أي ان جميع العوامل الني تساعد على تعزيز الصورة النمطية السلبية قد تضافرت.
يقول ايفون هاول وهو استاذ روسي في جامعة ريتشموند "طالما لا يشعر مجتمع معين بالامان تجاه وضعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولا يشعر بتوحد هويته الثقافية سيحاول أن يغطي هذا الشعور باللا أمان بنوع من العرض المختال لقوة النوع الاجتماعي".

اليوم, ١٦٪ فقط من الروس يتقبلون المثلية الجنسية في مجتمعهم مقارنة بنسبة٤٢٪ من الجارة بولندا وهي دولة شيوعية سابقا ايضا.

المثير للاهتمام أن روسيا تمثل اتجاها رئيسيا مختلفا بقضية رهاب المثلية الجنسية حيث عادةً تميل الدول الاكثر تدينا الى ان تكون هي الاقل قبولا للمثلية الجنسية. بينما في روسيا كما في الصين يبدو أنهم يميلون لرفض الله والمثلية معا. حيث تعد روسيا واحدة من أقل الدول تديناً في العالم, ٣٣٪ فقط من الروس يقولون بأن للدين اهمية كبيرة في حياتهم اليومية في احصائية اجريت سنة ٢٠٠٩.
ورغم أن الروس ليسوا متدينين بالمعنى التقليدي الا ان الاغلبية منهم لا يزالوا يدعموا الكنيسة الارثوذكسية، والتي تملك السلطة السياسية كحليف لحكومة بوتين و تعد رمزا للفخر الوطني لدى الكثير من السكان.
واقعاً العديد من الروس اليوم يعتبرون الانتماء للكنيسة وسيلة للتأكيد على انتمائهم "كروسيين" بحسب وصف ماشا ليبمان رئيسة برنامج كارنيغي-موسكو للمجتمع والاقاليم. حوالي ٨٠-٩٠٪ من الروس يعرفون أنفسهم كمسيحيين ارثوذكس ولكنهم لا يمارسون أي من العبادات ولا حتى مرة في الشهر. بدلا من ذلك، وفي استطلاع جرى في سنة ٢٠٠٧، قال غالبية المستطلعين أن الدين يمثل "تقليد قومي" و "التزام بالمعايير المعنوية والاخلاقية"، بينما ١٦٪ فقط قالوا بأنه يمثل الخلاص الشخصي.

بدوره البطريرك كيريل رئيس الكنيسة صريح بمعاداته "للامراض الاجتماعية" كالميول الجنسية المختلفة. حيث يقول أحد المدافعين عن قضايا المثليين في سان بطريسبرغ " للكنيسة خطاب مناهض للمثليين قوي جدا ويزداد قوة مع الوقت, قبل خمس سنوات كانوا يتجاهلون القضية واليوم يقولون أن المثلية خطيئة". وليس من قبيل المصادفة أن اعضاء فرقة *Pussy Riot تم ايداعهم السجن بعد عرض لهم في كنيسة ارثوذكسية.
وكان كيريل قد خدم احياناً كحال كثير من كبار الكنيسة بأسم حملة بوتين وأصدر تصريحات تربط المسيحية بدوام دولة روسيا متحدة. حيث قال كيريل " ان الليبرالية ستؤدي لانهيار القانون ومن ثم نهاية العالم" كما وصف رئاسة بوتين "بالمعجزة". كما فعل القس ديميتري سميرنوف مرة حين صرح بأن "على الناس أن يتذكروا بأن اول ثائر كان إبليس (الشيطان)".

يبدو أن حكومة بوتين تتمسك بالفكرة الروسية/السوفيتية القديمة التي تقول بأن الحكام مسؤولين عن تحديد جدول اخلاقي للبلاد. والمشرعين الروس أكثر من سعداء لحشد دعم الكنيسة لهم، فضلا عن تعصب الجماهير الراسخ لدعم المحافظين. بالنسبة لإليزابيث وود أستاذة التاريخ في معهد ماساتشوستس للتقنية  فأن الدعاية تشير الى أن "بوتين و رفاقه يديرون العربات ليخلقوا مناخ من قبيل (نحن) ضد (هم) ". حيث تقول وود " برغم وجود الكثير من المثليين في روسيا، أعتقد أن الدولة السوفيتية واصلت اتجاه الدولة القيصرية الارثوذكسية بكون الدولة وصية اخلاقيا على الشعب، تأثير الحكومة على الخيارات الاخلاقية للافراد ما زال ساري. وبالتالي من السهل على الدولة بعد العهد السوفيتي العودة الى نمط الحكم السوفيتي تنظيمياً. واكثر من ذلك الدولة الروسية ككل مبنية على مبدأ (نحن ضد هم) فبالقول نحن = س وليس ص، والمثلية تجعل منا "ص" (تجعلنا مثلهم).

قد تبدو مثل هذه القوانين في بعض الدول كعلامة على تأثير التشدد الديني. لكن في روسيا, هي جزء من حملة أوسع لقمع المعارضة والتشديد على مجموعة أكبر من الحريات المدنية. تقول ماشا ليبمان " رهاب المثلية الجنسي غالبا ليس نابعاً من الايمان بقدر ما هو نابع من فكرة معادية الليبرالية..روسيا بلد غير ليبرالي، وحكومة بوتين تستفيد من مشاعر الغير ليبراليين خصوصاً كما فعلت العام الماضي بعد أن واجه الكرملين احتجاجات واسعة من قبل الاقلية الليبرالية".

*يقصد بالكرملين قصر موسكو وهو رمزاً للسلطة في روسيا- المترجمة.
*Pussy Riot هي فرقة بنك-روك نسائية تحوي كلمات الكثير من اغانيهم ايحاءات لقضايا المثلية وحقوق المرأة- المترجمة.

رسم يوضح إرتباط رهاب المثلية الجنسية بانتشار التشدد الديني في مناطق مختلفة من العالم


المصدر: مقال مترجم من مجلة the Atlantic بقلم OLGA KHAZAN صدر يونيو ٢٠١٣ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علق للحوار و ليس للجدال