3/05/2014

أفكار حول حادثة "سدوم وعمورة" (قوم لوط) – هل كان هلاك المدينتين متعلقًا بالمثلية؟

الكاتب: جورجيو ليو 

حيث أنني لست مسلمًا فلن أتعرض لهذا الموضوع من وجهة نظر القرآن أو الإسلام عمومًا، وأترك هذا لأصدقائي من المسلمين

فجاء الملاكان إلى سدوم مساءً وكان لوط جالسًا في باب سدوم. فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض. وقاليا سيّديّ ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما. ثم تبكران وتذهبان في طريقكما. فقالا لا بل في الساحة نبيت. فألحّ عليهما جدًا. فمالا إليه ودخلا بيته. فصنع لهما ضيافةً وخبزًا فطيرًا فأكلا وقبلما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ كل الشعب من أقصاها. فنادوا لوطًا وقالوا له أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما. فخرج إليهم لوط إلى الباب وأغلق الباب وراءه. وقال لا تفعلوا شرًا يا إخوتي! هوذا لي ابنتان لم تعرفا رجلاً. أخرجهما إليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم. وأما هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئًا لانهما قد دخلا تحت ظل سقفي. فقالوا ابعد إلى هناك. ثم قالوا جاء هذا الإنسان ليتغرب وهو يحكم حكمًا! الآن نفعل بك شرًا أكثر منهما! فألحّوا على الرجل لوط جدًا وتقدموا ليكسروا الباب. فمدّ الرجلان أيديهما وأدخلا لوطًا إليهما إلى البيت وأغلقا الباب. وأما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير إلى الكبير. فعجزوا عن أن يجدوا الباب وقال الرجلان للوط من لك أيضًا ههنا؟ أصهارك وبنيك وبناتك وكل منلك في المدينة أخرج من المكان. لأننا مهلكان هذا المكان. إذ قد عظم صراخهم أمام الرب فأرسلنا الرب لنهلكه.
حيٌّ أنا يقول السيد الربّ! إن سدوم أختك لم تفعل هي ولا بناتها كما فعلت أنت وبناتك. هذا كان إثم أختك سدوم: الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان، كان لها ولبناتها ولم تشدد يد الفقير والمسكين. وتكبّرنّ وعملن الرجس أمامي فنزعتهنّ كما رأيت. ولم تخطئ السامرة نصف خطاياك. بل زدتِ رجاساتك اكثر منهنّ وبرّرتِ أخواتك بكل رجاساتك التي فعلتِ.


هذا هو نص الحادثة كما ورد في سفر التكوين، الإصحاح التاسع عشر، الآيات ١ إلى ١٣.

الرؤية التقليدية لهذه الواقعة ترى في الأحداث دليلاً على لعنة الله على ممارسة الجنس بين الرجال. وأزعم أن هذه الرؤية ليست إلا ليًّا للنص الكتابي لاتخاذه ذريعةً للكراهية ضد المثليين والتنكيل بهم.

لست الوحيد الذي يرى في تلك الواقعة مجرد مجموعة من البلطجية أرادوا ترهيب أحد الأجانب المقيمين في البلدة، الذي نجحت تجارته أثناء إقامته فيها أكثر منهم جميعًا، بأن يتعرضوا بالأذى الجسدي لضيوفٍ وفدوا عليه. فإكرام الضيوف وحمايتهم من أهم إمارات القوة والمكانة الاجتماعية فى البلاد الصغيرة خصوصًا.

لاحظ أن النصّ لم يوضح مثلاً أن المتهجّمين فتنتهم وسامة الضيوف، أو  أي شيء آخر يشير إلى الشبق الجنسي. لاحظ أيضًا أن لوطًا، الذي كان بالضرورة يعرف سكان البلدة الصغيرة خير المعرفة، لم يكن ليقترح إعطاءهم ابنتيه فداءً لضيوفه لو كان يعلم أن من قاموا بالتهجم على المنزل من المثليين؛ لأن المثلىّ يأنف بطبيعته من ممارسة الجنس مع النساء!

لاحظ أيضًا أن قرار  إبادة المدينتين كان قد اتُخذ قبل هذه الحادثة، والله العادل لايمكن أن يعاقب أحدًا على خطية لم يرتكبها بعد (فلم يحدث مثل ذلك في أي مكان من الكتاب المقدس بعهديه)! كما لم يذكر الكتاب المقدس أي شيءٍ بخصوص انتشار الظاهرة بالمدينتين كسببٍ لتدميرهما؛ المفسرون هم من افترضوا ذلك، وهو افتراضٌ ظالم لأنه غير مؤسس على حقائق موثّقة، بل يضيف على النصّ المقدس ما حرص الروح القدس—الملهم والمهيمن—ألا يورد شيئًا عنه، ويعيد تلوين النصّ بما لم يقصد الله أن يوصّله لنا! لاحظ كذلك أن النصّ الإلهي لم يُشر لما فعلته مدينة عمورة حتى تستحق ذات المصير، ولا يمكن افتراض انتشار الجنس فيما بين الرجال فيها هي الأخرى، بارتكاب نفس الخطأ التفسيري، لمجرد أن نوجد مبررًا للعقاب يتفق وأهوائنا! وأخيرًا لاحظ أن ذات الظروف تكررت بحذافيرها في واقعة مماثلة في سفر القضاة، الإصحاحا لتاسع عشر، الآيات ٢٠ إلى ٣٠.

وللعلم، أمثال تلك الأمور ما تزال تحدث حتى يومنا هذا. فمنذ بضعة سنين نشرت إحدى الصحف خبرًا مؤداه أن امرأة رغبت في الطلاق من زوجها فأبى، فما كان منها إلا أن اتفقت مع بلطجية ليغتصبوه إذلالاً له لإرغامه على الإذعان لطلبها الطلاق!

والآن انظر ماذا يقول الكتاب المقدس في سفر حزقيال، الإصحاح السادس عشر، الآيات ٤٨ إلى ٥١ مخاطبًا أورشليم، مبكّتًا إياهاعلى "زناها" أي خيانتها لعهودها معه:

فى هذا النصّ، كما في كل النصوص الأخرى التي ورد فيها اسم سدوم (أوعمورة)،نجد أن الوحي الإلهي يركز بصورة أساسية على خيانة عهودنا مع الله، معتبرًا ذلك زنًا. وكما هو واضح ليس هناك أي إشارة للجنس فيما بين الرجال على وجه التحديد، بل مجرد خيانة العهد. كما نجد أن الله يعتبر أن خطايا أورشليم (سبط يهوذا في الأساس) فاقت في بشاعتها خطايا سدوم وعمورة، بينما لم يرد أي ذكر لانتشار الجنس فيما بين الرجال في أورشليم وقتها.

إذن يحقّ لنا أن نرى أن الكتاب المقدس لم يُشر بشكلٍ محدد للمثلية كما يعرّفها العلم.

أيضًا يجب الالتفات إلى التفرقة بين المثلية كاتجاهٍ نفسي/عاطفي وممارسة الجنس. فكما أن الله لا يلوم غيريًا على تمنّيه الارتباط جنسيًا بالجنس الآخر وإنما يلومه على ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، كذلك أيضًا لا يمكن أن نتخيل أن الله يناقض ذاته فيعاقب مثليًا، خلقه هو هكذا، إلا على نفس الأساس. فإذا ارتبط رجلان (أوامرأتان) ارتباطًا زوجيًا، دون تلاعب أو خيانة، وإنما بكل الحب والوفاء والإخلاص، أرى أن الله الحنون لا يمكن أن يعاقبنا على ما ليس بأيدينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علق للحوار و ليس للجدال