3/10/2014

محاولات علمية لفهم المثلية و نظرية التطور

في العقدين المنصرمين تم نشر العديد من الدراسات العلمية بشأن الأصول البيولوجية للمثلية الجنسية، ففي كل يوم يثبت لنا العلم أن للمثلية أصول بيولوجية. لكن كيف تتناسب هذه الحقيقة مع نظرية التطور الداروينية؟


اغنية “Same Love " للثنائي العالمي Macklemore  و Ryan Lewis أصبحت بمثابة نشيد غير رسمي يمثل حركة مساندة زواج المثليين في الولايات المتحدة، وتعبر عن الكثير مما يشعر به المثلي تجاه نفسه.
الأغنية تسخر من هؤلاء الذين يعتقدون أن المثلية قرار يُتخذ أو مرض يمكن الشفاء منه بالعلاج أو بالدين- أي أنها نزعة قابلة للتغيير. أقلية من المثليين لا يوافقون مع كلمات الأغنية معتقدين ان الميول الجنسية وليدة المجتمع وانهم اتخذو قرار واعي وبكل فخر بأن يكون لهم شركاء من نفس جنسهم.

لكن العلم يساند الأغنية . فمنذ بداية التسعينات وجد الباحثون أن المثلية الجنسية اكثر انتشاراً بين الاشقاء والاقرباء من جهة الأمهات، والسبب عامل جيني. و وجدو ايضاً (رغم عدم وجود دليل واضح) اختلافات جسدية بين أدمغة البالغين المثليين والمغايرين، ومجموعة كبيرة من الحيوانات تنتشر بينهم السلوكيات المثلية.

لكن بما أن المثليين والمثليات لديهم اطفال أقل هذا يضعنا امام مشكلة.

" انها مفارقة من ناحية تطورية” يقول باول فازي من جامعة ليذبريدج في كندا,"كيف لصفة كالمثلية بين الذكور كسمة وراثية أن تستمر عبر التطور الزمني بالرغم أن الافراد الذين يحملون هذه الصفة لا يتناسلون؟”.

العلماء لا يعرفون الجواب لهذا اللغز الدراويني حتى الآن، لكن هناك العديد من النظريات حول ذلك. من الممكن ان تكون هناك آليات مختلفة بين الاشخاص. مع ملاحظة أن أغلب النظريات تركز على المثلية بين الذكور - تطور المثلية بين الاناث يدرس بشكل اقل - لكن ربما يكون وفق آلية مشابهة لما بين الذكور وربما يختلف عنها تماما.

الجينات التي تتحكم بالمثلية الجنسية لها وظائف اخرى.


مجموعة الجينات التي تندرج ضمنها الميول الجنسية قد يكون لها دور بالتكاثر احياناً. وهذا يمكن أن يكون تعويض لقلة او عدم تناسل المثليين وضمان انتقال السمات التي عند المثليين للاجيال اللاحقة عبر اشخاص غير مثليين.

هناك طريقة او اثنتان لامكانية حصول هذا.أحد الاحتمالات ان مجموعة الجينات المثلية  تضفي صفات نفسية تجعل من الرجال المغايرين اكثر جاذبية بنظر النساء، أو النساء المغايرات اكثر جاذبية بالنسبة للرجال. "ندرك ان النساء يميلون للصفات الاكثر انثوية في تصرفات الرجال بل وحتى في ملامح وجوههم,وقد يعود هذا لأرتباط هذه الصفات بمهارات تربية الاطفال او بالمزيد من التعاطف" يقول غازي رحمان، احد كتاب "ولدت مثلياً: علم النفس المتعلق بالميول الجنسية".

وبناءا على هذا، فالنظرية تقول أن عدد قليل من هذه المجموعة الجينية تعزز فرص انتقالها عند التكاثر.  لكن احياناً يرث أحد افراد العائلة عدد أكبر من هذه الجينات والتي تؤثر على ميوله الجنسية، لكن بصورة عامة لهذه الجينات فائدة كبيرة على مستوى التكاثر.
لكن احياناً انتقال المجموعة المثلية الجينية يكون لها تأثير معاكس. لأن المجموعة الجينية المسؤولة عن جعل حامل الصفة يميل للرجال، هي نفسها المسؤولة عن الميزة التي تجعل الرجل أكثر جاذبية في نظر المرأة. يعني احياناً إن ظهرت هذه المجموعة الجينية عند رجل ستجعل منه يميل لبني جنسه، لكن طالما ان هذا الأمر نادر الحدوث فستبقى المجموعة ذات نفع تطوري.

هناك بعض الأدلة على النظرية الثانية. آندريا كامبيرو-سياني، من جامعة بادوفا في ايطاليا وجد أن نساء العائلات اللاتي لديهن قريب مثلي من جهة الأم  ينجبن اطفالاً اكثر من قريبات اللاتي ليس لديهن . هذا يعني وجود الية غير محددة حتى الان في كروموسوم  عند الرجل تساعد النساء من نفس العائلة لانجاب عدد اكبر من الاطفال، و قد تكون هذه الالية السبب الذي يؤدي لظهور المثلية لرجال هذه العائلة. مع ملاحظة أن هذه النتائج لم يتم التوصل إليها في بعض الأعراق لكن هذا لا يعني أنها غير صحيحة بشأن السكان الايطاليين حسب دراسة كامبيرو-سياني.

المثليين كمساعدين في بناء العائلة 

يعتقد بعض الباحثين بأننا من اجل ان نفهم تطور المثليون يجب ان ننظر لكيفية تأقلمهم مع ثقافتهم بشكل عام.

أبحاث باول فازي في (ساموا) ركزت على نظرية تعرف بـأختبار الاقارب أو نظرية (المساعد في بناء العائلة). الفكرة تتمحور حول أن المثلي يعوض عن عدم انجابه الأطفال بتعزيز القدرة الانجابية عند الاخوة والاخوات كالتبرع بالمال أو القيام بدور العم المربي كالجلوس مع أطفال الأخوة و الأخوات و تعليمهم . تقول هذه النظرية أن بعض جينات المثليين موجودة عند أولاد وبنات اخوتهم. فبالتالي وبحسب النظرية سيستمر الجين المسؤول عن الميل الجنسي المثلي بالتوارث عبر العائلة.

المشككين في هذه النظرية أشاروا لحقيقة انه بالغالب فأن الناس تتشارك نسبة ٢٥٪ فقط من شفرتهم الوراثية مع اقربائهم، وبهذا يحتاج المثلي للتعويض عن كل طفل لم ينجبه باثنان من ابناء او بنات الاخوة الذين لم يكونوا ليوجدوا. فازي لم يقوم بقياس كم يعزز وجود الميل الجنسي المثلي الانجابية لدى اخوة هذا المثلي, لكنه أثبت في (ساموا) بأن الرجال المثليين اكثر لعباً لدورالعم المهتم من الرجال المغايرين.

Fa'afafine
"لم يتفاجأ أحد أكثر مني” يعلق فازي على اكتشافاته. مختبره كان قد وجد سابقا ان المثليون في اليابان لم يكونوا اكثر كرماً أو اهتماماً بابناء وبنات اخوتهم بقدر المغايرين من الرجال والنساء الذين ليس لديهم اطفال. نفس النتيجة وجدت في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة.

فازي يؤمن بأن نتائجه في (ساموا) كانت مختلفة لأن الرجال الذين قام بدراستهم كانوا مختلفين. لقد قام بدراسة الـ Fa'afafine الذين يُعرفون كجنس ثالث في مجتمعهم فهم الذين يرتدون ملابس النساء ويمارسون الجنس مع رجال مغايرين. هم واقعاً مجموعة من متحولين الجنس الذين يرفضون تسميتهم بالمثليين.

يعتقد فازي بأن من اسباب كون هذه المجموعة اكثر اكتراثاً بأطفال اخوتهم هو تقبلهم داخل مجتمعهم بعكس المثليين في اليابان والغرب. "لا تستطيع مساعدة قريبك اذا رفضك” يقول فازي. لكنه يؤمن ايضاً ان هناك شيء يتعلق بطريقة حياة هذه المجموعة يجعل منهم اكثر اعتناءً باطفال اخوتهم. ويخمن بأنه سيجد نتائج متقاربة اذا ما قام بدراسة مجموعات اخرى من "الجنس الثالث" حول العالم.

اذا كان هذا صحيحاً,فأن نظرية المساعد في بناء العائلة قد تفسربشكل جزئي كيف أنه لم تختفي الجينات المسؤولة عن الميل للجنس نفسه خلال التطور. هذه النظرية قادت فازي لافتراض ان الرجال المثليون الذين يعرفون انفسهم "كرجال" بصفات ذكورية، وهذا ينطبق على اغلب المثليين في الغرب، ينحدرون من رجال بميول جندرية مختلفة.

مثليون لديهم أطفال 

في الولايات المتحدة ٣٧٪ من المثليات ، والمثليون، ومزدوجي الميول الجنسية، والمتحولون جنسيا لديهم أطفال، ٦٠٪ منهم بيولوجيين. وفقا لمنظمة ويليام. و الأزواج المثليون الذين لديهم اطفال لديهم طفلين بالمتوسط.

هذه الارقام ربما ليست مرتفعة بما فيه الكفاية لتحمل سمات جينية خاصة بهذه المجموعة، لكن عالم البيولوجيا التطورية جيرمي يودر يشير الى انه أغلب المثليين في التاريخ الحديث لم يعيشوا حياتهم المثلية علناً. مكرهين من قبل المجتمع على الزواج وانجاب اطفال، وبهذا قدرتهم الانجابية قد تكون اعلى الآن.
كم من المثليون لديهم أولاد هذا ايضا يعتمد على تعريفك للـ”مثلي". الكثير من المغايرين الذين يمارسون الجنس مع ال Fa'afafine  في ساموا يتزوجون لاحقا وينجبون أطفالاً.

“الجنس المثلي كممارسة له أطياف متعددة من ناحية التسمية و الفهم اعتماداً على الثقافة”  تقول جون روغاردن، عالم بيولوجيا تطورية في جامعة هاواي "اذا ذهبت الى الهند ستجد بأن من يقول بأنه مثلي الجنس يوصف بأنه "غربي" لكن هذا لا يعني انه لا يوجد مثلية جنسية هناك".

كذلك في الغرب، هناك أدلة على أن العديد من الناس يمرون بفترة ممارسات مثلية. مثلاً  في الاربعينات،  الباحث في الجنس في الولايات المتحدة ألفريد كينسي وجد أنه 4% من الرجال البيض كانوا مثليين بعد سن المراهقة و 10% مروا بفترة حوالي ثلاث سنوات من الممارسات المثلية بينما 37% مارسوا علاقة مثلية في وقت ما من حياتهم.
 مثال آخر هناك احصاءات وطنية للسلوكيات الجنسية في المملكة المتحدة أُجري العام الفائت أشار لنسب اقل. فـ ١٦٪ من النساء أقروا بقيامهم بتجارب جنسية مع نساء اخريات. و٧٪ من الرجال كانت لديهم تجارب مع رجال اخرين.

أغلب العلماء الباحثون في تطور المثلية أكثر اهتماما بالأحاسيس الداخلية الجاذبة للرغبة و ليس التقيد بتعريف الشخص على انه مثلي أو مغاير أو اذا ما كان له تجارب مثلية. "الهوية الجنسية والممارسات الجنسية ليست مقايس دقيقة للميول الجنسية" يقول باول فازي "المشاعر الجنسية هي القياس".

ليس كل شيء في الحمض النووي

يقول غازي رحمان ان المجموعات الجينية (الاليلات) المسؤولة عن الانجذاب لنفس الجنس تشرح فقط بعض من التنوع في ميول الانسان الجنسية. العديد من العوامل البيولوجية الاخرى تساهم في الميول الجنسية، وهو يعزو ميول كل واحد من سبعة رجال مثليين الى "تأثير الأخ الاكبر".

الملاحظ أن الاولاد الذين يملكون عدد اكبر من الاخوة الذكور تزيد احتمالات كونهم مثليين. مع كل اخ اكبر تزداد احتمالات مثليتهم بحوالي الثلث. لا أحد يعلم الاسباب وراء هذا لكن هناك نظرية تقول بأنه مع كل حمل بذكر يقوم جسم المرأة برد فعل مناعي للبروتينات التي لها دور بتشكيل دماغ الذكر. وبما أن هذا لا يحصل الا بعد ولادة العديد من الاشقاء (معظمهم يكونوا مغايرين ويتزوجون وينجبون أطفالاً) فأن هذه الميزة التي تحصل قبل الولادة لم يتم انتخابها للزوال بالتطور.

التعرض لهرمونات غير معتادة قبل الولادة قد يؤثر على الميول الجنسية. مثلاً، تعريض الجنين الانثى لكميات عالية من التستوستيرون قبل الولادة يزيد احتمالات مثلية الطفلة القادمة لاحقاً. الدراسات ترى أن الرجال و المثليات الـ "butch" أو الذين يميلون للصفات الذكورية لديهم فروقات اقل في الطول بين اصبعي السبابة والبنصر (علامة على التعرض لهرمون التستوستيرون قبل الولادة)، بينما بين المثليات اللاتي يملن للصفات الانثوية الفروقات في الطول بين الاصبعين اكبر.

الأخوة كالتوائم المتطابقين يمثلون تساؤل اخر. وجد الباحثون أنه في حال كان احد التوائم المتطابقين مثلي الجنس هناك احتمال ٢٠٪ أن يكون الاخر يشبهه بالميول الجنسية. ربما تبدو احتمالية عالية لكن ليس ونحن بصدد شخصين يتشاركون الشيفرة الجينية ذاتها.

ويليام رايس من جامعة كاليفورنيا- سانتا بربارا- يقول انه من الممكن شرح هذا بالنظر لطريقة مشاركة الشفرة الجينية وليس للشيفرة بحد ذاتها. رايس و زملاءه يشيرون للمجال العلمي الحديث  Epigenetics ، الذي يدرس العلامات التي تحدد اي جزء من حمض الدي ان ايه  DNA الخاص بنا يعمل واي جزء لا يعمل. هذه العلامات تُورث للاطفال لكن ليس دائماً. رايس يؤمن ان الجنين الانثى ينتج علامات تقوم على جعلهم اقل حساسية للتستوستيرون. غالبا ليست وراثية لكن احيانا تكون وراثية و هي من تقود للميول الجنسية نحو نفس الجنس عند الذكور.

الدكتور ويليام باين، رئيس تحرير مجلة LGBT health"" يؤمن ان الميول الجنسية يمكن ان تكون وراثية ، لكنها باعتقاده اعقد مما يتخيل بعض العلماء. يشير الى أن توريث المثلية يشبه الطلاق، لكن "باحثون علم الاجتماع لم يبحثو عن (جين الطلاق)"على حد تعبيره " بل قامو بالتركيز على توريث الشخصية والصفات المزاجية التي قد تؤثر على احتمالات الطلاق".

بالنسبة لـغازي رحمان يقول الاعلام هو من يقوم بتبسيط النظريات الجينية المتعلقة بالميول الجنسية، باعدادهم تقارير عن اكتشاف "الجين المثلي". يؤمن غازي بأنه ربما هناك المئات من المجموعات الجينية التي تؤثر بالميول الجنسية والتي ستأخذ عقود لاكتشافها. وحتى لو كان الجنس المغاير اكثر فائدة بالمنظور التطوري من الجنس المثلي، فأنه ليست فقط ميول المثليون من تتأثر بجيناتهم بل المغايرين أيضاً.

* * * * * * * 

الموضوع مترجم لمقال نُشر على موقع الـ BBC في شهر فبراير لسنة ٢٠١٤ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

علق للحوار و ليس للجدال