سنوات البراءة
مع زيادة الحديث عن المثلية، سواء من خلال المطالبة بالحقوق أو من خلال إبراز المثليينبشكل أكبر في الإنتاجات الفنية، زادت الادعاءات بأن هذا النوع من التعرض لعب دورًا في انتشارالمثلية.
لذلك، أردت مشاركة تجربتي الشخصية كفرد نشأ في التسعينيات، في وقت كانت فيه المراقبةالإعلامية على المثلية أسهل.
كنت في الصف الثالث الابتدائي عندما شعرت بأول انجذاب بسيط لرجل. كان الانجذاب البسيطتجاه أستاذ الرياضيات. لكن الانجذاب الحقيقي والأقوى بالنسبة لي حصل في السنة التالية،عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي. مع مرور السنة، بدأت أنجذب لأستاذ العلوم. كنت أفرحعندما يلفت انتباهه لي، وكنت أفرح أكثر عندما أسمع منه مدحًا على أدائي الدراسي. وأثناءالفسحة، عندما كان في ساحة المدرسة لمراقبة الطلاب، كنت دائمًا أتابعه بعيني وكأنني أردتمنه أن ينظر ناحيتي.
هذا الانجذاب كان يفتقر إلى أي طبيعة جنسية.
نشأت في السعودية في بداية التسعينيات. في تلك المرحلة، لم أكن على دراية بمفهوم الجنس. كنت أعتقد أن الأطفال يولدون بمشيئة الله، وأنه عندما يتزوج رجل من امرأة، يقرر الله بمشيئتهأن تحمل المرأة.
في الابتدائية، كان انجذابي منحصرًا على المدرسين. أستطيع القول إن ثلاثة مدرسين فقط كانوايثيرون اهتمامي أكثر من الآخرين، بالرغم من وجود مدرسين لطيفين آخرين، لكن لم أكنأنجذب لكل مدرس لطيف.
كان أول انجذاب لي نحو ولد مقارب لعمري عندما كنت في الصف الثاني متوسط. لم يكن هذاالولد زميلي أو صديقي، بل كان مجرد ولد يركب في نفس الميكروباص الذي كنت أركبه يوميًا. لم يكن له شعبية كبيرة ولم يكن طالبًا مميزًا، لكنه لم يكن ولدًا بغيضًا.
في فترة نهاية الابتدائي، أدركت رغباتي الجنسية. وعرفت عن الجنس والحمل. كانت معرفتيبالجنس منحصرة على الجنس المغاير، وتعلمت أنه هو الجنس الطبيعي. أما الجنس المثلي،الذي عرفت عنه، فكان مرتبطًا في ذهني بالتحرش الجنسي بالأولاد. كان لدي تصور بأن الرجلالذي يبحث عن مضاجعة الأولاد هو "الخنيث"، وليس أي أولاد، بل الأولاد الذين يشبهونالبنات شكلًا، ما يسمى في الكتب الدينية الإسلامية بـ"الغلام الأمرد".
في تلك الفترة، أصبحت أتخيل القرب الجسدي بيني وبين الرجال، لكن لم أكن أسمح لنفسيبالدخول في أي تخيلات تتعلق بالسلوكيات الجنسية المتعارف عليها. لم يكن لدي أي فكرة عنكيفية ممارسة الجنس بين رجل ورجل أو حتى تصور جنس بين رجل وغلام، سوى أنه يكوناعتداءً واغتصابًا.
كان اطلاعي الوحيد على الجنس هو ما كنت أراه من مشاهد بين رجل وامرأة على الفضائياتالعربية.
حتى العادة السرية في تلك الفترة لم أكن أمارسها؛ لأنني تعلمت أن اللعب بالقضيب عيب، ولايقوم به إلا الأولاد "الصايعة" الذين كنت أراهم في المدرسة. وفي تلك المرحلة، سمعت منالمشايخ وحتى من بعض المدرسين أن العادة السرية حرام.
عندما دخلت الصف الأول ثانوي، وصلنا في مادة الفقه إلى درس "حكم اللواط". كان درسًامشوشًا لي. كنت أحاول أن أفهم: هل ما أفكر فيه ينطبق عليه حكم اللواط أم لا؟! بدأت أفكرأكثر في مشاعري التي كنت أحس بها. كنت أعتقد من قبل ذلك أن المشاعر التي أحس بهاوالانجذاب الذي كنت أعيشه يعتبر شيئًا طبيعيًا، وأنني لست الوحيد من الأولاد الذي يمر بهذهالمشاعر. صحيح أنه لم يخبرني أحد بأنه يمر بنفس المشاعر، إلا أنني كنت أتوقع أن هذهالمشاعر من الأمور المتعارف عليها التي لا يتم الحديث عنها بين الأولاد.
نشأت في بيئة لا تشجع الأولاد على إظهار أي مشاعر ضعف. حتى عندما كنت صغيرًا، كنت أناوإخوتي نحسب عدد المرات التي بكى فيها كل منا خلال السنة.
كنت أرى أن ما أشعر به هو مشاعر ضعف، لأن لا أحد يشارك فيها أو يعترف بها.
الصراع الداخلي الذي كنت أشعر به بعد هذا الفصل كان له أثر كبير على بداية كرهي لميوليالمثلية. أذكر أنه في أحد الأيام، كنت أفكر في الموضوع بيني وبين نفسي في طريقي إلى البيتمن البقالة التي كنت منجذبًا لصاحبها. قلت لنفسي: "إلى متى سأستمر في هذا النوع منالانجذاب؟" كنت أتوقع أن هذا الانجذاب عبارة عن شيء بريء يمر به الأولاد في مرحلة الطفولةويختفي مع الزمن. لكن متى؟. كنت أحاول طمأنة نفسي بأن هذا الانجذاب سيختفي قريباً. لكنه لم يختفي كما تشهد هذه السطور.